تاريخ البقوليات
تُظهر الاكتشافات الأثرية أن تاريخ أول استهلاك بشري للبقوليات يعود إلى 10,000 سنة قبل الميلاد. بدايةً من العصر الحجري الحديث للزراعة، كان لزراعة الحبوب السبق ثم تلتها زراعة البقوليات التي تتغذى عليها الجِمال.
وشهدت حضارة بلاد الرافدين والحضارة المصرية نمواً ملحوظاً واستهلكت الشعوب أنواعاً وأصنافاً كثيرة من البقوليات.
حسب التقاليد السورية – الفلسطينية والفينيقية، اجتمعت الحبوب مع البقوليات، واستُخدمت في شكل طحين أو أجزاء مختلفة أخرى من النبات (القرون، البذور، الأوراق). استخدم اليونانيون القدماء الحبوب أساساً غنياً بالعناصر الغذائية في نظامهم الغذائي وأضافوا البقوليات، مثل: الفول والعدس والبازلاء.
اكتسبت عادات وممارسات طهي الطعام طابعاً محلياً، مما شكل ملامح فنون الطهي، وأصبحت عنصراً مُمَيِّزاً لهوية شعب ما. خصص كتاب أبيشيوس الذي يضم مجموعة من وصفات الطهي التي تعود إلى روما القديمة، De re culinaria، قسماً كاملاً للبقوليات، والتي غالباً ما كانت تُحضَّر بأسلوب فاخر، باستخدام توابل وإضافات نادرة وباهظة الثمن. تُخبرنا المصادر التاريخية عن العادة السائدة بين الرومان وهي تناول طبق الحبوب، وهو عبارة عن عصيدة شبه سائلة مُحضرة من الحنطة أو الشعير أو الفول؛ وقد حضَّر المصريون نوعاً آخر من العصائد يعتمد على الفول، عُرف باسم الفول أو الفول المدمس. واليوم، لا يزال الفول المطهو بالبخار الصنف المفضل على مائدة الإفطار، ويتوفر في الأسواق والأكشاك والمطاعم، حيث يُقدم داخل سائله الشهي وبجانبه أرغفة الخبز العربي المتراصة؛ بالإضافة إلى الحبوب والبقوليات الأخرى! وبالطبع، لا يمكن إغفال الفلافل والحمص، ورحلة انتشارهما من الشرق الأوسط إلى كل مكان في العالم، بفضل مذاقهما الشهي.
في القرون الأخيرة من عهد الإمبراطورية الرومانية، والتي شهدت انتشار المسيحية، شاع اتباع حمية غذائية تقوم على الاقتصاد والتقشف؛ بما يتعارض بشكل صريح وضمني مع البذخ والإسراف. أصبحت البقوليات رمزاً للرزانة والاتزان، وظلت ذائعة الصيت خلال القرون المتعاقبة، حيث وضع المجتمع المسيحي التصنيف الذي يفرق بين الطعام المُخصص للأغنياء والطعام المُخصص للفقراء في إطار رسمي.
بنهاية النظام الإقطاعي ونمو المدن، انتهجت الفئات الحاكمة الجديدة هذا النموذج: طعام غني وراقٍ للنبلاء؛ وطعام بسيط للفلاحين. كانت الفئتان تتناولان الفاصولياء والحبوب، ولكنها كانت الطعام الأساسي الذي يقتات عليه الفلاحون.
في العصر الحديث، تم استيراد كميات هائلة من الأطعمة الجديدة من الأمريكتين، وشملت أنواعاً جديدة من الفاصولياء، بالإضافة إلى اللوبياء ذات العين السوداء المزروعة بالفعل والتي جُلبت من أفريقيا. وسريعاً ما أصبحت الفاصولياء المجلوبة من العالم الجديد شديدة الشيوع في الطعام الأوروبي واكتسبت اسهما الذي نعرفه اليوم (فاصولياء باللغة اليونانية، فاجيولو باللغة الإيطالية، وفلايوتوفلاجيوليت باللغة الفرنسية).
نتج عن الحروب والأوبئة ندرة في الطعام، ولعبت القيمة الغذائية للبقوليات دوراً محورياً في إطعام الفقراء في جميع أنحاء العالم. عندما قلَّ محصول القمح، أصبح استخدام البقوليات المُجففة مصدراً لإنقاذ الحياة: عاش الكثيرون (وازدهرت حياتهم) على حساء الفاصولياء وفاريناتا الحمص (تُشبه الفطائر المحلاة الشهية) بل واستخدموها أيضاً في صناعة الخبز.
حتى مطلع القرن العشرين، استمرت الطبقات الاجتماعية الأكثر تواضعاً في تناول البقوليات، وأحدث التطور الصناعي تغيراً كبيراً في أسلوب تناول الطعام الذي يتبعه الناس. وحل القمح محل الحبوب والبقوليات الضارة العديمة الأهمية. في المتوسط، وفي أوروبا تحديداً، هبط الاستهلاك السنوي للبقوليات لكل شخص من 10-20 كجم تقريباً (24 رطلاً إلى 45 رطلاً تقريباً) في العقد الثاني من القرن العشرين إلى 2-4 كجم (5 أرطال إلى 10 أرطال تقريباً) بحلول منتصف القرن العشرين. أحدثت التطورات الاجتماعية عقب الحرب العالمية الثانية والرخاء الاقتصادي والتحول الصناعي وموجة الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن تغييراً في أسلوب الطعام الذي يتبعه الناس، وخاصة بعد أن أصبحت الأغذية الفاخرة متوفرة ومتاحة وفي متناول الجميع. وبالرغم من ذلك، استرجعت البقوليات اليوم مكانتها لتصبح جزءاً مهماً من الغذاء الأوروبي—ولم تعد مرتبطة بدلالتها التاريخية كطعام «الفقراء»، والآن اكتسبت شهرة واسعة لفوائدها الصحية وانطلاقاً من الرغبة في تناول طعام يتناغم مع الأرض (يعتمد على النباتات… إلخ)